اعتراف بريطاني محتمل بفلسطين.. خطوة رمزية أم بداية تغيير؟

أثارت تصريحات رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر بشأن استعداد بلاده للاعتراف بدولة فلسطين، موجة من الجدل الواسع، ليس فقط داخل الأوساط السياسية البريطانية، بل على مستوى الساحة الدولية أيضًا.
لماذا يتجه ستارمر للاعتراف بفلسطين؟
أكدت الحكومة البريطانية أن الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين سيتم “عندما يحين الوقت المناسب”، فيما أوضح ستارمر أن توقيت الإعلان يستهدف التأثير على الوضع المتدهور في غزة، في ظل تنامي ضغوط برلمانية داخل حزب العمال لدفع الحكومة نحو موقف أكثر وضوحًا لدعم حل الدولتين والضغط على إسرائيل.
قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة القاهرة الدكتور أحمد ماهر، إن التحرك البريطاني يأتي استجابة لضغوط أوروبية متزايدة، نتيجة تأثر الرأي العام الأوروبي الشديد بالمشاهد الدامية في غزة.
وأشار ماهر لـ”تليجراف مصر”، إلى أن دولًا مثل بريطانيا، التي شهدت تغيرات سياسية متلاحقة، أصبحت أكثر عرضة للتأثر بهذا النوع من الضغط الشعبي، ما دفع الحكومة إلى تبني رد فعل سياسي محسوب.
وأوضح ماهر أن لندن لم تتخذ بعد قرارات حاسمة مثل وقف تصدير السلاح لإسرائيل أو إنهاء التعاون الاستخباراتي، بل استخدمت مسألة الاعتراف بفلسطين كورقة ضغط مشروطة، فالاعتراف سيظل رهينًا بتطورات الوضع على الأرض، وقد يُسحب من الطاولة إذا وافقت إسرائيل على تهدئة الأوضاع قبل سبتمبر.
وأضاف أن موقف بريطانيا يبدو أكثر حذرًا مقارنة بالموقف الفرنسي، حيث أعلن الرئيس إيمانويل ماكرون اعتزامه الاعتراف بدولة فلسطين في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة المقبل، دون أي شروط، وذلك عقب زيارته لمصر وتفقده الوضع الإنساني الكارثي في رفح والعريش.
تأثير محتمل على علاقة بريطانيا بأمريكا
العلاقات البريطانية الأمريكية بدت متماسكة رغم هذا التطور، إذ يحافظ ستارمر على علاقة جيدة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وقد التقيا مؤخرًا في اسكتلندا.
وقال ترامب إنه لم يناقش مع ستارمر خطة الاعتراف بفلسطين، مضيفًا ردًا على سؤال حول رأيه في الخطوة: “أنا أسعى لإطعام الناس، هذا هو الموقف الأهم، فهناك من يتضور جوعًا”.
من جهته، انتقد وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو إعلان فرنسا، واصفًا الاعتراف بدولة فلسطين بأنه “قرار متهور يخدم مصالح حماس”، وفقًا لوكالة “رويترز”.
تطور موقف بريطانيا من حرب غزة
في بداية الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر 2023، أعلن ستارمر دعمه الكامل لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.
لكن موقفه تطور بمرور الوقت، وخصوصًا منذ توليه رئاسة الحكومة قبل أكثر من عام، حيث بدأ يتخذ مواقف أكثر تشددًا تجاه إسرائيل.
فقد رفضت حكومته الطعن في مذكرات الاعتقال الصادرة بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وقررت تعليق بيع الأسلحة لتل أبيب.
كما فرضت لندن عقوبات على وزيرين إسرائيليين من اليمين المتطرف، هما بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، بتهمة التحريض على العنف ضد الفلسطينيين.
الاعترافات الدولية تتوسع
في عام 2024، اعترفت كل من أيرلندا والنرويج وإسبانيا بدولة فلسطين، شريطة ترسيم حدودها وفقًا لما كانت عليه قبل حرب عام 1967.
وتشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن نحو 140 دولة من أصل 193 عضوًا تعترف بدولة فلسطين، إلا أن معظم دول الاتحاد الأوروبي لا تزال مترددة.
وفي نوفمبر 2012، رفعت الجمعية العامة للأمم المتحدة وضع فلسطين من “كيان مراقب” إلى “دولة غير عضو”.
من قد يكون التالي؟
قد يسعى ستارمر إلى دفع دول كبرى مثل ألمانيا، أستراليا، كندا، واليابان نحو اتخاذ موقف مماثل. لكن ألمانيا أعلنت مؤخرًا أنها لا تعتزم الاعتراف بدولة فلسطين في الوقت الحالي، مؤكدة أن أولويتها تظل في دعم حل الدولتين القائم على التفاوض.
في السياق ذاته، شدد وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاجاني على ضرورة أن يتزامن الاعتراف بدولة فلسطين مع اعترافها بإسرائيل، معتبرًا أن “غياب الاعتراف المتبادل يجعل من المستحيل التوصل إلى حل حقيقي”.
التصريحات الرسمية
وكان ستارمر قد أعلن رسميًا أن بريطانيا ستدرس الاعتراف بدولة فلسطين خلال اجتماع الأمم المتحدة في سبتمبر المقبل، في حال لم تتخذ إسرائيل خطوات جادة لوقف الأزمة الإنسانية في غزة، والسماح بدخول مساعدات إنسانية بشكل أوسع.
وأشار إلى أن حكومته ستجري تقييمًا شاملًا في سبتمبر لتحديد مدى التزام الأطراف بهذه المتطلبات، قبل اتخاذ قرار نهائي، بحسب ما نقلته وكالة “رويترز”.
المصدر: تيليجراف مصر
تعليقات