محمود محيي الدين: الحاجة ملحة لتطوير سياسات اجتماعية في البلدان العربية

محمود محيي الدين: الحاجة ملحة لتطوير سياسات اجتماعية في البلدان العربية

أكد الدكتور محمود محيي الدين، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لتمويل التنمية المستدامة والمكلف من أمين عام الأمم المتحدة برئاسة فريق الخبراء رفيعي المستوى لتقديم حلول لأزمة الدين العالمي، أن التحديات التي فرضتها الصراعات الإقليمية والضغوط الاقتصادية وتغيرات المناخ وتأثيراتها الاجتماعية والاقتصادية السلبية جعلت الحاجة ملحة إلى تطوير سياسات اجتماعية في البلدان العربية أكثر شمولًا وعدالة.

جاء ذلك خلال كلمته التي ألقاها أمام الاجتماع العربي الإقليمي رفيع المستوى للتحضير لمؤتمر القمة العالمية الثانية للتنمية الاجتماعية المنعقد حاليا بتونس، بمشاركة عدد من وزراء الشئون الاجتماعية العرب وممثلي منظمة الأمم المتحدة والمنظمات العربية والإقليمية ذات الصلة.

وقال محيي الدين إن هذا الاجتماع يأتي في إطار أهمية بلورة موقف عربي مشترك خلال انعقاد القمة العالمية الثانية للتنمية الاجتماعية، التي من المقرر أن تعقد في العاصمة القطرية الدوحة في نوفمبر من العام الجاري، والتي تأتي بعد حوالي ثلاثين عامًا من انعقاد القمة العالمية الأولى للتنمية الاجتماعية في عام ١٩٩٥، التي عقدت في العاصمة الدنماركية كوبنهاجن، والتي انبثق عنها إعلان كوبنهاجن حول التنمية الاجتماعية، مضيفًا أن عدة دول عربية تمكنت خلال هذه العقود الثلاثة الماضية من تحقيق طفرات بشأن التنمية الاجتماعية بينما صادفت دولًا عربية أخرى تحديات كبرى في تنفيذ مستهدفات هذا الملف.

وأوضح أن القمة العالمية الثانية للتنمية الاجتماعية تمثل فرصةً حقيقيةً لإعادة التأكيد على الالتزام العربي بقضايا العدالة الاجتماعية نحو القضاء على الفقر بمختلف أبعاده، وتحقيق الاندماج الاجتماعي، وتوفير العمل اللائق، وغيرها من القضايا الاجتماعية الملحة، وذلك في ظل تحديات متسارعة في إقليمنا العربي وحول العالم.

وشدد الدكتور محيي الدين على ضرورة انطلاق التحضيرات العربية لهذه القمة من أرضية عربية مشتركة تستند إلى تبادل خبرات وتحديد الأولويات، وصياغة رؤى مشتركة ترتكز على قيم التضامن والمشاركة والتنمية المستدامة.

وقال محيي الدين إن التنمية الاجتماعية تعد أحد الأعمدة الرئيسية لتحقيق الاستقرار والنمو في مجتمعاتنا، مشيرا إلى أهمية مراجعة واقع السياسات الاجتماعية في منطقتنا العربية، وتقييم تطوراتها والتفكير المشترك في سبل تعزيز قدراتها على الصمود والتكيف مع المستجدات والتحديات. وأضاف أن دولًا عربية مختلفة حققت خلال العقود الماضية إنجازات ملموسة في مجالات التعليم والرعاية الصحية والحماية الاجتماعية وتمكين المرأة والشباب، وتمثلت هذه التطورات الايجابية في توسيع قاعدة المستفيدين من الخدمات الاجتماعية وزيادة الاستثمارات في البنية التحتية الاجتماعية وفي رأس المال البشري، وتحسين مؤشرات التنمية البشرية في عدد من الدول العربية، إلا أنه في أثناء ذلك وفي المقابل تواجه عدة دول تحديات متنامية مما يتطلب مساندتها للاستجابة الفاعلة والمبتكرة والمتطورة لتطبيق سياسات اجتماعية أكثر طموحًا وأكثر فاعلية.

وأفاد بأن التغيرات المناخية وتأثيراتها السلبية المتلاحقة وتداعيات النزاعات والصراعات الإقليمية والضغوط الاقتصادية المختلفة وتبعات جائحة كورونا، كلها عوامل كشفت عن هشاشة بعض النظم الاجتماعية وفاقمت من معاناة الفئات الأكثر ضعفًا، لا سيما النساء والأطفال وكبار السن وذوي الإعاقة واللاجئين.

وأكد محيي الدين أنه في ظل هذه التحديات، أصبحت الحاجة ملحة إلى تطوير سياسات اجتماعية في البلدان العربية أكثر شمولًا وعدالة، والعمل على عدة محاور أساسية، أولها تعزيز الحوكمة الاجتماعية وتحقيق التنسيق الفعال بين مختلف القطاعات والمؤسسات المعنية بتخطيط وتنفيذ السياسات الاجتماعية.

وقال إن ثاني هذه المحاور هو  ضمان التمويل المستدام للبرامج الاجتماعية من خلال اتباع نهج شامل يجمع بين السياسات المالية العامة العادلة والإدارة الرشيدة وتحديد الأولويات. مؤكدًا في هذا الصدد على الحاجة إلى سياسة مالية عامة عادلة تتضمن إعادة توجيه الإنفاق العام من خلال إعادة توجيه الموارد نحو قطاعات التعليم والرعاية الصحية والرعاية الاجتماعية، وتحسين كفاءة الإنفاق من خلال تقييم البرامج الاجتماعية دوريًا وضمان فاعليتها، وعقد شراكات متعددة الأطراف، بما في ذلك مع القطاع الخاص والمنظمات الدولية والإقليمية، يتم من خلالها الاستفادة من الدعم الفني والتمويلي، كما نوه عن الحاجة إلى استخدام أدوات مالية مبتكرة متوافقة مع الاحتياجات الاجتماعية في البلدان العربية، وإصلاح شامل في النظم الضريبية في عدد من البلدان العربية للمساهمة في حشد الموارد المالية اللازمة من داخل الأقطار قبل اللجوء إلى العون الخارجي أو استقدام التمويل من الخارج.

وأضاف أن محور العمل الثالث هو الاعتماد على بيانات مدققة وتحليل اجتماعي من أجل توجيه السياسات بشكل أكثر استهدافًا للفئات الهشة في المجتمعات العربية، وأشار في هذا الإطار إلى ضرورة التعامل مع الاحتياجات الخاصة بالطبقة المتوسطة في مجتمعاتنا العربية التي تعرضت لصدمات متوالية أدت إلى تراجع دورها الاجتماعي كما تراجعت دخولها، كما أصبح هناك حاجة للنظر في دور الطبقة المتوسطة في مجتمعاتنا، والنظر أيضا في السبل المثلى لتحقيق مستهدفات التنمية الاجتماعية لهذه الفئة وهي شديدة الاختلاف عن ما هو متطلب للفئات الأقل دخلًا.

أما المحور الرابع، بحسب محيي الدين، فهو توسيع مظلة الحماية الاجتماعية لتشمل الفئات الهشة، بما في ذلك العمال في القطاعات غير المنتظمة والعاطلين عن العمل والفئات المهمشة، بالإضافة أيضًا إلى الفئات التي تعرضت لصدمات متوالية من الطبقة المتوسطة.

وأوضح أن المحور الخامس هو  تمكين المجتمعات المحلية من المساهمة في تصميم وتنفيذ السياسات الاجتماعية، أما المحور السادس فهو بناء قدرات الكوادر الاجتماعية وتعزيز أنظمة الرصد والتقييم.

وعلى مستوى العمل الإقليمي والعربي المشترك، لفت محيي الدين إلى عدد من الوثائق الهامة ومن ضمنها الإطار الاستراتيجي العربي للقضاء على الفقر متعدد الأبعاد، وإعلاني الدوحة حول المضي قدما لما بعد ٢٠٣٠ نحو تنمية اجتماعية متعددة الأبعاد وتعزيز الحماية الاجتماعية المتكاملة، وترسيخ المبادئ والأعراف العربية ذات الصلة بالأسرة، وكذلك الإستراتيجية العربية لكبار السن والاستراتيجية العربية للعمل الطوعي، داعيًا أن يتناول اجتماع تونس سبل تطوير تفعيل هذه الوثائق وتنفيذها عبر مشاركات بناءة ومبتكرة.

وشدد محيي الدين على أن تعزيز العدالة الاجتماعية والاقتصادية هي ضرورة لتحقيق الاستقرار السياسي والتنمية المستدامة وبناء مجتمعات أكثر تماسكًا وتضامنًا، موضحًا أنه لا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال التزام قوي وتعاون إقليمي صادق ودعم دولي يراعي السياقات الوطنية وأولوياتها وما تتضمنه من فرص وتحديات.

وفي ختام كلمته، أعرب محيي الدين عن تطلعه ليكون هذا الاجتماع التحضيري منصة مثمرة للحوار وتبادل الخبرات والخروج بأفضل الممارسات لاستشراف أفاق جديدة لسياسات اجتماعية عربية قادرة على مواجهة تحديات اليوم والغد، وأن يقدم الاجتماع مجالًا رحبًا لصياغة تصورات ومبادرات عربية عملية وبناءة ومبتكرة تسهم في إثراء النقاش العالمي، وتعزز حضور منطقتنا العربية في صنع مستقبل اجتماعي أكثر عدالةً وإنصافًا.


المصدر: اليوم السابع

ملحوظة : موقع ( جريدة النهاردة ) قارئ إخباري مستقل لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لانها لا تعبر عن رأي الموقع وقد تم نشر الخبر كما هو من المصدر.