
تعاقدت مصر على تعديل اتفاق استيراد الغاز من إسرائيل، في صفقة وُصفت بأنها الأكبر في تاريخ التعاون بين البلدين بمجال الطاقة، وهو ما أثار تساؤلات حول دوافعها وأهدافها، خاصة في ظل التوترات القائمة بسبب حرب غزة، وتمسك القاهرة بموقفها الرافض لمطامع تل أبيب.
وأعلنت شركة نيو ميد إنرجي الإسرائيلية، أن الاتفاق المعدل مع شركة أوشن إنرجي المصرية سيضيف كميات ضخمة من الغاز إلى بنود التعاقد السابق، تقدر بنحو 4.6 تريليون قدم مكعب (حوالي 130 مليار متر مكعب)، على أن يتم ضخها على مرحلتين، وذلك وفقًا لـ“الشرق بلومبرج”.
وبحسب البيان، فإن المرحلة الأولى تشمل تصدير ما يقارب 706 مليارات قدم مكعب (20 مليار متر مكعب) فور بدء تنفيذ التعديل الجديد.
من جانبه، قال المهندس مدحت يوسف، نائب رئيس هيئة البترول الأسبق، إن الصفقة واضحة المعالم، إذ تأتي في إطار حاجة مصر الملحّة لتأمين احتياجاتها من الغاز الطبيعي لتلبية متطلبات المصانع والمنازل والسيارات وغيرها، فضلًا عن التزامها التعاقدي بتشغيل محطتي الإسالة في دمياط وإدكو، لتجنب التعرض للتحكيم الدولي الذي سبق أن قضى بتغريم مصر 2.25 مليار دولار.
وأوضح لـ“تليجراف مصر”، أن الاتفاق المصري القبرصي لربط إنتاج الغاز القبرصي بالتسهيلات المصرية، سيسهم بالتوازي مع هذه الصفقة في تشغيل محطات الإسالة بكامل طاقتها.
هل هناك بدائل للغاز الإسرائيلي؟
أشار يوسف إلى أنه لا توجد بدائل لهذه الصفقة سوى استيراد الغاز الطبيعي المسال من الخارج، وهو ما يتطلب شحنًا بحريًا من مناطق الإنتاج إلى مصر، إضافة إلى الحاجة لتوفير ناقلات إعادة التغويز التي تصل أجرتها اليومية حاليًا إلى نحو 200 ألف دولار للناقلة الواحدة، الأمر الذي يرفع تكلفة الاستيراد إلى نحو 13–14 دولارًا للمليون وحدة حرارية، مقارنة بنحو 7.4 دولار فقط عبر الصفقة الأخيرة، وهو ما يخفف من الأعباء المالية على الموازنة العامة للدولة.
وأضاف أن قيمة الصفقة البالغة 35 مليار دولار على مدى 15 عامًا لا تعد كبيرة، إذا ما قورنت بتكلفة استيراد الغاز المسال، التي تتجاوز هذا الرقم خلال عام واحد فقط، إذ يتم توريد نحو 2500 مليون قدم مكعب من الغاز المسال يوميًا، بينما لا تتجاوز الكميات في الصفقة الأخيرة 840 مليون قدم مكعب يوميًا.
ومنذ بدء تشغيله في عام 2020، ضخ حقل ليفياثان إلى السوق المصرية نحو 23.5 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، ضمن اتفاقية أبرمت عام 2019 تقضي بتوريد 60 مليار متر مكعب بمتوسط 4.5 مليار متر مكعب سنويًا حتى مطلع العقد الرابع من القرن الحالي.
وفي وقت سابق، كشف مصدر حكومي بقطاع البترول لـ”إنتربرايز”، أن الحكومة أبرمت تعاقدات مع ست شركات طاقة عالمية لتأمين احتياجات البلاد من الغاز الطبيعي المسال حتى نهاية عام 2026، بتكلفة إجمالية تقدر بنحو 8 مليارات دولار، مشيرًا إلى أن هذه الكلفة قابلة للتعديل صعودًا أو هبوطًا وفقًا لتغيرات الإنتاج المحلي أو مستويات الاستهلاك، وبما يتماشى مع آليات التعاقد مع الموردين.
وبحسب المصدر، فإن الحكومة تعتزم استئجار وحدة تغويز خامسة لاستقبال 46 شحنة متبقية من الغاز المسال، بالتوازي مع استمرار المفاوضات مع قطر لتوفير إمدادات متوسطة الأجل.
وتستعد الحكومة، لطرح مزايدة جديدة تستهدف جذب استثمارات في قطاع الطاقة، إلى جانب خطط لزيادة إنتاج الغاز الطبيعي عبر تنمية عدد من الحقول، بما يرفع الإنتاج إلى ما بين 300 و350 مليار قدم مكعبة، وهو ما يتوقع أن يسهم في خفض فاتورة استيراد المنتجات البترولية خلال العام المالي الحالي بنحو 1.5 مليار دولار.
وقال الدكتور جمال القليوبي، أستاذ هندسة البترول والطاقة، إن الاقتصاد لا يقوم على العواطف، وإنما على تحقيق المصالح، مشيرًا إلى أن التعاقد المصري مع الجانب الإسرائيلي حتى عام 2040، لتوريد نحو 600 مليار متر مكعب من الغاز، يصب في صالح الاقتصاد المصري.
وأوضح أستاذ هندسة البترول والطاقة، أن هذا التعاقد يمنح القاهرة نقطة محورية باعتبارها طرفًا متحكمًا في جزء من الاقتصاد الإسرائيلي.
وأضاف القليوبي لـ”تليجراف مصر”، أن هناك ثلاثة عوامل رئيسية تدعم هذا الموقف، أولها أن إسرائيل تسعى، من خلال شركة “شيفرون” وبالتعاون مع قبرص واليونان وإيطاليا، لإنشاء خط أنابيب بطول 2000 كيلومتر يربط الحقول المختلفة ويمتد حتى إيطاليا، وهو مشروع يحتاج إلى نحو خمس سنوات لتنفيذه، كما أن نقل الغاز عبر العوائم أو أي وسيلة بديلة مكلف للغاية، ما يجعل التصدير إلى مصر الخيار الأوفر. أما النقطة الثانية فتتعلق بحقوق كاريش وتمار وليفياثان، التي تمثل مجمل القدرات الإسرائيلية من الغاز الطبيعي.
وأكد أن تصدير الغاز الإسرائيلي إلى مصر هو السبيل الوحيد أمام تل أبيب، في حين أن استهلاك مصر منه لا يتجاوز 13.5% من احتياجاتها، ما يعني أن القاهرة لا تعتمد على الغاز الإسرائيلي بشكل أساسي ولا تخضع له، خاصة أنها تمتلك أربع سفن إسالة وتستورد الغاز القبرصي، فضلًا عن قدرتها على استقبال الغاز اليوناني مستقبلًا، مشيرا إلى أن مصر تعمل على تحويل اقتصادها إلى اقتصاد مختلط يوازن بين الموارد المحلية والاستيراد.
وشدد القليوبي، على أن الدول التي تربطها تبادلات مصالح يجب أن تمتلك قرارًا مؤثرًا، معتبرًا أن استقبال الغاز الإسرائيلي يمنح القاهرة تأثيرًا استراتيجيًا على القرار الإسرائيلي، سواء فيما يخص الشأن الإسرائيلي الداخلي أو الجانب الفلسطيني.
وأضاف: “من قوتنا أن خياراتنا الاقتصادية والتعامل مع الجيران، حتى لو كان جار سيئ مثل إسرائيل، ويجب أن تضمن لنا التأثير عليهم”.
واختتم موضحًا أن بدائل الغاز الإسرائيلي أكثر كلفة، إذ يصل سعر المليون وحدة حرارية منه، في حالته الغازية، إلى ما بين 7 و7.5 دولار، مقابل 12 إلى 12.5 دولار للغاز المسال، قبل حتى إضافة تكاليف الإسالة أو الضخ عبر الخطوط، وهو ما يجعل الصفقة أكثر جدوى اقتصاديًا عند فصل العواطف عن الحسابات الاقتصادية.
وتستعد مصر لتسريع ربط حقول الغاز القبرصية البحرية كرونوس وأفروديت بالبنية التحتية لحقل ظُهر، في خطوة تستهدف ضخ نحو 1.3 مليار قدم مكعبة يوميًا عبر الشبكة القومية بحلول عام 2028، وفق ما أفادت به مصادر حكومية لـ“الشرق بلومبرج”.
وبحسب المصادر من المقرر أن تنتهي شركة الطاقة الإيطالية إيني من إنشاء خط أنابيب بحري بطول 90 كيلومترًا يربط حقل كرونوس بميناء بورسعيد مع نهاية 2027، بما يتيح تدفق نحو 500 مليون قدم مكعبة يوميًا، يوجه جزء منها إلى الشبكة القومية. ويلي ذلك بدء استقدام إمدادات الغاز من حقل أفروديت، والمقدرة بنحو 800 مليون قدم مكعب يوميًا، بعد عام من اكتمال ربط كرونوس.
المصدر: تيليجراف مصر